حوار: كيرلس ثروت – الصدمة الفكرية بين التشاؤم والتنوير

 


يراك البعض ككاتب يحمل رؤية تشاؤمية، بل يعتبرون أفكارك دعوة لليأس. هل ترى أن إثارة هذه التساؤلات أمر ضروري أم أنها قد تدفع البعض فعلًا إلى الإحباط؟


لا أحد يخلو من الاتهامات، لكن أفكاري ليست دعوة لليأس، بل دعوة للتساؤل. عندما تكون في غرفة مظلمة مقتنعًا بأنها مضيئة، لن تحاول إشعال المصباح. يجب أولًا أن تدرك الظلام حتى تبحث عن النور. كذلك، إدراك الواقع المحبط هو الخطوة الأولى نحو تغييره بصدق.


- لكن ألا تعتقد أن بعض الناس، حين يدركون هذا الواقع المحبط، قد يغرقون في اليأس بدلًا من البحث عن التغيير؟ كيف تضمن أن الصدمة الفكرية التي تقدمها لا تقود إلى الاستسلام؟


أنا لا أدعو للاستسلام، بل للتعايش مع الألم بدلًا من الإنكار. أدعو الناس إلى إيجاد القوة وسط الألم، لا إلى الهروب منه. من يتخذ الألم صديقًا، لن يراه كعائق، بل كدافع للاستمرار.


- التلذذ بالألم فكرة صادمة بحد ذاتها. كيف يمكن للإنسان أن يجد متعة في شيء بطبيعته مؤلم؟


إذا تعود الإنسان على الألم، فلن يعود يراه بنفس القسوة. الحياة بطبيعتها مليئة بالمعاناة، ومن يدرك ذلك سيجد السعادة في أبسط الأشياء. من يحلم بحياة بلا ألم لن يرضيه شيء، أما من يفهم أن الألم جزء من الرحلة، فسيسعد بكل لحظة راحة يجدها.


- إذا كان الإنسان سيفرح بالأشياء البسيطة عندما يتقبل الألم، فهل هذا يعني أن السعادة الحقيقية ليست في التخلص من الألم، بل في التكيف معه؟


بالضبط. السعادة الحقيقية لا تأتي من محاربة الألم بقدر ما تأتي من التكيف معه والبحث عن لحظات الفرح حتى في أحلك الظروف. من يحاول القضاء على الألم تمامًا سيجد نفسه في معركة خاسرة، لأن الألم جزء لا يتجزأ من الحياة.


- لكن هذا الطرح قد يبدو للبعض وكأنه استسلام، وكأنك تقول لهم: "تقبلوا معاناتكم ولا تحاولوا تغييرها". كيف ترد على هذا الفهم؟


أنا لا أقول لهم تقبلوا المعاناة دون محاولة تغييرها، بل أقول: لا يمكنكم تغيير شيء تنكرون وجوده. الاعتراف بالمعاناة هو الخطوة الأولى نحو التحرر منها. من ينكر ألمه، لن يسعى لحلّه لأنه غير مقتنع بوجود مشكلة من الأساس.


- إذن، من وجهة نظرك، الاعتراف بالمعاناة هو الخطوة الأولى نحو التغيير، لكن ألا يوجد خطر في أن يعلق الإنسان في هذه المرحلة دون أن ينتقل إلى محاولة التغيير؟


بالتأكيد هناك خطر، لكن لا شيء عظيم يتحقق بلا مخاطرة. كما يقولون: "No risk, no fun". كل محاولة للنجاح يصحبها الخطر، وكلما كان النجاح أكبر، زاد حجم المخاطرة.


- إذا كان الخطر جزءًا من الرحلة نحو التغيير، فكيف يمكن للإنسان أن يوازن بين تقبل الألم كواقع، وبين عدم الوقوع في فخ الاستسلام له؟


المفتاح هو العقلانية. على الإنسان أن يكون منطقيًا في تعامله مع الحياة، أن يعي كل شيء من ألم وسعادة، دون أن ينقاد خلف مشاعره. حين يضع الألم في حجمه الحقيقي دون تهويل أو تهوين، يمكنه استخدامه كأداة للنمو بدلًا من أن يصبح سجينًا له.

تعليقات